فصل: المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر:

قال في مسالك الأبصار: في جنوب الغرب بين مملكة بر العدوة وبين بلاد مالي وما معها من بلاد السودان ثلاثة ملوك من البربر بيضٌ مسلمون: وهم سلطان أهير وسلطان دمونسة وسلطان تادمكة كل واحد منهم ملك مستقل بنفسه لا يحكم أحدٌ منهم على الآخر، وأكبرهم ملك أهير وزيهم نحو زي المغاربة: يلبسون الدراريع إلا أنها أضيق، وعمائم بأحناك، وركوبهم الأبل، ولا خيل عندهم ولا للمريني عليهم حكم ولا لصاحب مالي ولا خبز عندهم، وعيشهم عيش أهل البر من اللحم واللبن، أما الحبوب عندهم فقليلة، وهم في قلة أقوات.
ونقل عن الشيخ عيسى الزواوي أن لهم جبالأ عامرةً، كثيرة الفواكه. وذكر أن ما بأيدي الثلاثة تقدير نصف ما لملك مالي من ملوك السودان أو أرجح بقليل، ولكن صاحب مالي أكثر في تحصيل الأموال لاستيلائه على بلاد الذهب وما يباع بمملكته من السلع، وما يغنمه في الغزوات من بلاد الكفار لمجاورته لهم بخلاف هؤلاء فإنه ليس لهم يد تمتد إلى كسبٍ، بل غالب أرزاقهم من دوابهم. ثم قال: ودون هؤلاء فيما بينهم وبين مراكش من بلاد المغرب جبال المصامدة، وهم خلقٌ لا يعد، وأمم لا تحصى، وهم يفتخرون بالشجاعة والكرم.
ثم ذكر أنهم كانوا لا يدينون لسطان إلا أنهم دانوا للسلطان أبي الحسن المريني ودخلوا تحت ذيل طاعته، على أنهم لا يملكون أحداً قيادهم، ولا يسلمون إليه بلادهم. وبكل حال فهم معه بين صحة واعتلال.

.المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس:

قال في تقويم البلدان: بفتح الألف والدال المهملة وسكون النون بينهما وضم اللام ثم سين مهملة. وهي مقابل بر العدوة من بلاد المغرب، وبينهما بحر الزقاق الذي هو فم بحر الروم، وقد تقدم ذكره في الكلام على الأبحر في أول هذه المقالة.
وقد اختلف في سبب تسمية الأندلس بهذا الأسم: فقيل ملكته أمة بعد الطوفان يقال لها الأندلش بالشين المعجمة فسمي بهم ثم عرب بالسين المهملة، وقيل خرج من رومة ثلاثة طوالع في دين الروم، يقال لأحدهم القندلش بالقاف في أوله وبالشين المعجمة في آخره، فنزل القندلش هذه الأرض فعرفت به، ثم عربت بإبدال القاف همزةً والشين المعجمة سيناً مهملة. ويقال: إن اسمه القديم أفارية، ثم سمي باطقة، ثم سمي أشبانية، ثم سمي الأندلس باسم الأمة المذكورة. قال في تقويم البلدان: وسميت جزيرة لإحاطة البحر بها من الشرق والغرب والجنوب، وإن كان جانبه الشمالي متصلاً بالبر كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وفيه ست جمل:
الجملة الأولى في ذكر سمك أرضه وحدوده:
قال في تقويم البلدان: وجزيرة الأندلس على شكل مثلث: ركنٌ جنوبي غربي، وهناك جزيرة قادس وفم بحر الزقاق. وركن شرقي بين طركونة وبين برشلونة، وهي في جنوبيه، وبالقرب من بلنسية وطرطوشة وجزيرة ميورقة. وركن شمالي بميلة إلى البحر المحيط، حيث الطول عشر درجات ودقائق، والعرض ثمان وأربعون. وهناك بالقرب من الركن مدينة شنتياقوه، وهي على البحر المحيط في شمالي الأندلس وغربيها. قال: والضلع الأول من الركن الجنوبي الغربي- وهو الذي عند جزيرة قادس- إلى الركن الشرقي الذي عند ميورقة، وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الجنوبي الممتد على بحر الزقاق. والضلع الثاني من الركن الشرقي المذكور إلى الركن الشمالي الذي عند شنتياقوه، وهذا الضلع هو حد الأندلس الشمالي، ويمتد على الجبل المعروف بجبل لبرت الحاجز بين الأندلس وبين أرض تعرف بالأرض الكبيرة، وعلى ساحل الأندلس الممتد على بحر برديل والضلع الثالث من الركن الشمالي المذكور إلى الركن الجنوبي المقدم الذكر، وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الغربي الممتد على البحر المحيط.
قال ابن سعيد: قال الحجاري: وطول الأندلس من جبل البرت الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة وهو نهاية الأندلس الشرقية إلى أشبونة: وهي في نهاية الأندلس الغربية ألف ميل، وعرض وسطه من بحر الزقاق إلى البحر المحيط عند طليطلة وجبل البرت ستة عشر يوما. قال في تقويم البلدان: وقد قيل إن طوله غربا وشرقا من أشبونة: وهي في غرب الأندلس إلى أربونة: وهي في شرق الأندلس مسيرة ستين يوما، وقيل: شهر. قال: وهو الأصح.
واعلم أن جبل البرت المقدم ذكره متصل من بحر الزقاق إلى البحر المحيط وطوله أربعون ميلا، وفيه أبواب فتحها الأوائل، حتى صار للأندلس طريق في البر من الأرض الكبيرة، وقبل فتحها لم يكن للأندلس من الأرض الكبيرة طريق. وفي وسط الأندلس جبل ممتد من الشرق إلى الغرب يقال له جبل الشارة، يقسمه بنصفين: نصف جنوبي ونصف شمالي.
الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن:
وهو يشتمل على عدة قواعد ومضافات:
القاعدة الأولى: غرناطة:
قال في تقويم البلدان: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح النون وألف وطاء مهملة وهاء في الآخر.
ويقال: أغرناطة بهمزة مفتوحة في أولها.
وهي مدينة في جنوب الأندلس، موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة.
قال في تقويم البلدان: ومملكتها في الجنوب والشرق عن مملكة قرطبة، وبينها وبين قرطبة نحو خمسة أيام.
قال: وغرناطة في نهاية الحصانة وغاية النزاهة، تشبه دمشق من الشام، وتفضل عليها بأن مدينتها مشرفة على غوطتها وهي مكشوفة من الشمال، وأنهارها تنصب من جبل الثلج الذي هو من جنوبيها وتتخرق فيها، وعليها الأرحي داخل المدينة، ولها أشجارٌ وثمار ومياه مسيرة يومين تقع تحت مرأى العين لا يحجبها شيء.
قال في مسالك الأبصار: ولها ثلاثة عشر بـ أبا: باب إلبيرة وهو أضخمها، وباب الكحل، وباب الرخاء، وباب المرضى، واب المصرع، وباب الرملة، وباب الدباغين، وباب الطوابين، وباب الفخارين، وباب الخندق، وباب الدفاف، وباب البنود، وباب الأسدر.
وحولها أربعة أرباض: ربض الفخارين، وربض الأجل، وهو كثير القصور والبساتين، وربض البيازين بناحية باب الدفاف، وهو كثير العمارة يخرج منه نحو خمسة عشر ألف مقاتل، وهو ربضٌ نستقلٌ بحكامه وقضاته وغير ذلك.
وجامعها من أبدع الجوامع وأحسنها منظراً، وهو محكم البناء لا يلاصقه بناء، تحف به دكاكين الشهود والعطارين، وقد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجري داخله، ومساجدها ورباطاتها لا تكاد تحصى لكثرتها.
وذكر في مسالك الأبصار: أنها قليلة الرياح، لا تجري بها الريح إلا نادراً لاكتناف الجبال إياها.
ثم قال: وأصل أنهارها نهران عظيمان شنيل وحدره.
أما شنيل، فينحدر من جبل شكير بجنوبيها ويمر على غربي غرناطة إلى فحصها، يشق فيها أربعين ميلاً بين بساتين وقرى وضياعً كثيرة البيوت والغلال وأبراج الحمام وغير ذلك.
قال: وينتهي فحصها إلى لوشة حيث أصحاب الكهف على قول، وجبل شكير المذكور هو طود شامخ لا ينفك عنه الثلج شتاءً ولا صيفاً، فهو لذلك شديد البرد، ويؤثر برده بغرناطة في الشتاء: لقربه منها إذ ليس بينه وبينها سوى عشرة أميال.
وفي ذلك يقول ابن صدرة الشاعر قاتله الله: [طويل]
أحل لنا ترك الصلاة بأرضكم ** وشرب الحميا وهو شيءٌ محرم

فراراً إلى نار الجحيم لأنها ** أرق علينا من شكير وأرحم!

لئن كان ربي مدخلي في جهنمٍ ** ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم!

وأما حدره فينحدر من جبلٍ بناحية ووادياش شرقي شكير فيمر بين بساتين ومزارع وكروم إلى أن ينتهي إلى غرناطة، فيدخلها على باب الدفاف بشرقيها، يشق المدينة نصفين، تطحن به الأرحاء بداخلها، وعليه بداخلها خمس قناطر: وهي قنطرة ابن رشيق، وقنطرة القاضي، وقنطرة حمام جاس، والقنطرة الجديدة، وقنطرة الفود، وعلى القناطر سواقٍ ومبان محكمة.
والماء يجري من هذا النهر في جميع البلد: في أسواقه وقاعاته ومساجده، يبرز في أماكن على وجه الأرض، وتخفى جدأوله تحتها في الأكثر، وحيث طلب الماء وجد، وبالمدينة جبلان يشقان وسطها، يعرف أحدهما بالخزة وموزور.
والثاني بالقصبة القديمة، وبالز.
وبها دور حسان، وعلالي مشرفة على فحصها، فيرى منهما منظراً بديعاً من فروع الأنهار والمزدرعات وغير ذلك مما يقصر عنه التخييل والتشبيه.
وقد صارت قاعدة ملك الإسلام بالأندلس بيد ملوكها من بني الأحمر الأتي ذكرهم في الكلام على ملوكها.
قال في مسالك الأبصار: وبها من الفواكه التفاح، والقراصيا البعلبكية التي لا تكاد توجد في الدنيا منظراً وحلاوةً حتى أنها ليعصر منها العسل.
وبها الحوز، والقسطل، والتين، والأعناب، والخوخ، والبلوط، وغير ذلك.
وبجبل شكير المقدم ذكره عقاقير الهند وعشب يستعمل في الأدوية، يعرفها الشجارون لا توجد في الهند ولا في غيره.
قال في التعريف: ومقر سلطانها القصبة الحمراء.
قال: ومعنى القصبة عندهم القلعة، وتسمى حمراء غرناطة.
قال في تقويم البلدان: وهي قلعةٌ عالية شديدة الأمتناع.
قال في مسالك الأبصار: وهي بديعةٌ متسعةٌ كثيرة المباني الضخمة والقصور ظريفة جداً، يجري بها الماء تحت بلاط كما يجري في المدينة، فلا يخلو منه مسجدٌ ولا بيتٌ، وبأعلى برج منها عين ماءٍ، وجامعها من أبدع الجوامع حسناً، وأحسنها بناءً، وبه الثريات الفضية معلقة، وبحائط محرابه أحجار ياقوت مرصفة في جملة مانمق به من الذهب والفضة، ومنبره من العاج والأبنوس.
قال في تقويم البلدان: في الكلام على الأندلس: ولم يبق للمسلمين بها غير غرناطة وما أضيف إليها، مثل الجزيرة الخضراء، والمرية.
قال في مسالك الأبصار: وطولها عشرة أيام، وعرضها ثلاثة أيام.
وهي ممتدة على بحر الزقاق وما يلي ذلك.
ثم قال: وأولها من جهة المشرق المرية، وهي أول مراسي البلاد الإسلامية.
قال في تقويم البلدان: وكانت القاعدة قبل غرناطة حصن إلبيرة، فخرب في زمن الإسلام، وصارت القاعدة غرناطة.
وقد عد في مسالك الأبصار من هذه المملكة عدة بلاد مضافة إلى مملكة غرناطة الآن.
منها المرية قال في المشترك: بفتح الميم وكسر الراء المهملة وتشديد المثناة من تحت وفي آخرها هاء.
وهي مدينة بين مملكتي مالقة ومرسية، موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة.
قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول أربع عشرة درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتان وأربعون دقيقة.
قال: وهي مدينة مسورة على حافة الزقاق، وهي باب الشرق، ومفتاح الرزق، ولها بر فضي، وساحل تبري، وبحرٌ زبرجدي، وأسوارها عالية، وقلعتها منيعةٌ شامخة، وهواؤها معتدلٌ، ويعمل بها من الحرير ما يفوق الجمال.
قال في مسالك الأبصار: والمرية ثلاث مدين.
الأولى- من جهة الغرب تعرف بالحوض الداخلي.
لها سور محفوظ من العدو بالسمار والحراس، ولا عمارة فيها، ويليها إلى الشرق المدينة القديمة، وتليها المدينة الثالثة المعروفة بمصلى المرية، وهي أكبر الثلاث.
ولها قلعةٌ بجوار القديمة من جهة الشمال، وتسمى القصبة في عرفهم.
قال: وهما قصبتان في غاية الحسن والمنعة. وساحل المرية أحسن السواحل، وحولها حصون وقرى كثيرة وجبال شامخة.
وجامعها الكبير بالمدينة القديمة، وهو من بديع الجوامع. وهي مدينة كثيرة الفواكه.
وأكثر زرعها بالمطر وعليه يترتب الخصب وعدمه، وإليها تجلب الحنطة من بر العدوة، وبها دار صناعة لعمارة المراكب، وبينها وبين غرناطة مسيرة ثلاث أيام.
وكانت في الزمن الأول قبل إضافتها إلى غرناطة مملكة مستقلة.
ويقال إن وادي المرية من أبدع الأودية على أن ماءه يقل في الصيف حتى يقسط على البساتين.
قال في مسالك الأبصار: وعلى وادي المرية: بجانة.
قال: وهي الآن قرية عظيمة جداً، ذات زيتونٍ وأعنابٍ وفواكه مختلفةٍ، وبساتين ضخمةٍ كثيرة الثمرات.
ومنها شلوبين بفتح الشين المعجمة وضم اللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر.
وسماها في تقويم البلدان: شلوبينية.
ثم قال: وهو من حصون غرناطة البحرية على بحر الزقاق، ومنه أبو علي عمر بن محمد الشلوبيني إمام نحاة المغرب.
قال صاحب حماة: وقد غلط من قال الشلوبيني هو الأشقر بلغة الأندلس.
قال في مسالك الأبصار: وبها يزرع قصب السكر، وعي معدة لإرسال من يغضب عليه السلطان من أقاربه.
ومنها المنكب. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينةٌ على القرب من شلوبين دون المرية، وبها دار صناعة لإنشاء السفن، وبها قصب السكر، منها يحمل السكر إلى البلاد، وبها الموز، ولا يوجد في بلد من البلاد الإسلامية هنالك إلا بها إلا ما لا يعتبر، وبها زبيبٌ مشهور الأسم.
ومنها بلش. وهي مدينة تلي المنكب من جهة الغرب، كثيرة التين والعنب والفواكه.
قال أبو عبد الله بن السديد: ليس بالأندلس أكثر عنباً وتيناً يابساً منها.
ومنها مالقة قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وألف كسر اللام وفتح القاف وهاء في الآخر.
وهي مدينة من جنوب الأندلس موقها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة.
وقياس ابن سعيد أنها حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقةً، والعرض ثمانٌ وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة: وكانت في القديم مملكة مستقلة، ثم أضيف الآن إلى غرناطة وملكها حتى مملكة قرطبة، وهي بين مملكتي إشبيلية وغرناطة، وهي على بحر الزقاق، وبها الكثير من التين واللوز الحسن المنظر.
ومنها ينقل يابساً إلى جيمع الأندلس.
قال في مسالك الأبصار: ولها ربضان عامران: أحدهما من علوها والأخر من سفلها وجامعها بديع، وبصحنه نارنج ونخلة نابتة، وبها دار صناعة لإنشاء المراكب، وهي مختصة بعمل صنائع الجلد: كالأغشية، والحزم، والمدورات، وبصنائع الحديد: كالسكين والمقص ونحوهما.
وبها الفخار المذهب الذي لا يوجد مثله في بلد.
قال ابن السديد: وبها سوق ممتدٌ لعمل الخوص من الأطباق وما في معناها، ولها عدة حصون في أعمالها، وفي أعمالها يوجد الحرير الكثير.
ومنها مدينة مربلة بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وفتح اللام المشددة وهاء في الآخر.
وهي مدينة صغيرة مما يلي مالقة من الغرب على الساحل. وبها الفواكه الكثيرة والسمك.
ومنها أشبونة. وهي مما يلي مربلة من جهة الغرب على الساحل، وهي نظيرها في كثرة الفواكه.
ومنها جبل الفتح. وهو الذي نزله طارقٌ عند فتخ الأندلس في أول الإسلام، منيع جداً يخرج في بحر الزقاق ستة أميال، وهو أضيق ما يكون عنده، وقد كان هذا الجبل في مملكة الفرنج وأقام بيدهم عدة سنين، ثم أعاده الله تعالى إلى المسليمن في أيام السلطان أبي الحسن المريني، صاحب الغرب الأقصى في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية.
ومنها الجزيرة الخضراء. وهي مما يلي جبل الفتح من الغرب على الساحل، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة.
قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول تسع درج، والعرض خمسٌ وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.
قال: وهي مدينةٌ أمام سبتة من بر العدوة من بلاد الغرب.
وهي مدينةٌ طيبةٌ نزهةٌ، توسطت مدن الساحل، وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها من احسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرعٍ وضرع، وخارجها المياه الجارية والبساتين النضيرة؛ ونهرها يعرف بوادي العسل، وعليه مكانٌ نزه يشرف عليه وعلى البحر يعرف بالحاجبية، ومن مستنزهاتها مكان يعرف بالنقاء.
قال ابن سعيد: وهي من أرشق الندن وأطيبها وأرفقها بأهلها وأجمعها لخير البر والبحر.
قال في المشترك: والنسبة إليها جزيريٌّ، للفرق بينها وبين إقليم الجزيرة فإنه ينسب إليه جزريٌّ.
قال في مسالك الأبصار: وهي آخر البلاد البحرية الإسلامية للأندلس وليس بعدها لهم بلاد. ثم قال: وهي الآن بيد النصارى أعادها الله تعالى وقصمهم، وقد عدها في تقويم البلدان: من كور إشبيلية مما يلي جانب نهرها من الجنوب.
ومنها رندة بضم الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر.
وهي بعيدة عن البحر. وعدها في تقويم البلدان من كور إشبيلية.
ثم قال: وبها معقل تعمم بالسحاب، وتوشح بالأنهار العذاب وذكر أنها من كبار البلدان، ثم قال: وهي بلدة جليلة، كثيرة الفواكه والمياه والحرث والماشية، وأهلها موصوفون بالجمال ورقة البشرة واللطافة، وبينها وبين الجزيرة الخضراء مسيرة ثلاثة أيام.
ومنها مدينة لوشة. قال في تقويم البلدان: وهي عن غرناطة على مرحلة بين البساتين والرياض.
ومنها وادياش بفتح الواو والفٍ ثم دالٍ مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية وألف ثم شين معجمة. ويقال: وادآش بإبدال الياء همزةً. قال في مسالك الأبصار: وهي بلدةٌ حسنة، بديعةٌ، منيعةٌ جداً، كثيرة الفواكه والمزارع؛ والمياه تشق أمام أبوابها كما في غرناطة، قريبة من جبل شكير المقدم ذكره مع غرناطة، فلذلك هي شديدة البرد بسبب ما على الجبل المذكور من الثلج قال: وهي بلدة مملقة، وأهلها موصوفون بالشعر، ويحكم بها الرؤساء من أقارب صاحب غرناطة أو من يستقل بها سلطاناً أو من خلع من سلطان لنفسه.
ومنها بسطة. وهي بلدة تلي وادياش المقدم ذكرها. وعدها في تقويم البلدان من أعمال جيان. قال في مسالك الأبصار: وهي كثيرة الزرع واختصت بالزعفران، فيها منه ما يكفي أهل الملة الإسلامية بالأندلس على كثرة ما يستعملونه منه.
ومنها أندراش. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينةٌ ظريفة كثيرة الخصب، وتختص بالفخار لجودة تربتها، فليس في الدنيا مثل فخارها للطبخ. إلى غير ذلك من البلدان مثل أرحصونة وأنتقيرة وبرجة وغيرها. قال في مسالك الأبصار: وحصون هذه المملكة كثيرةٌ جداً، فليس بها من بلدٍ إلا وحوله حصون كثيرة محفوظة بولاة السلطان ورجالٍ تحت أيديهم.
القاعدة الثانية: أشبونة:
قال في تقويم البلدان: بضم الهمزة وسكون الشين المعجمة وضم الباء الموحدة ثم واو ونون وفي آخرها هاء. قال: وعن بعض المسافرين أن أولها لام. وهي مدينةٌ في غرب الأندلس، وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ست درج وخمسٌ وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي قاعدة مملكةٍ على البحر المحيط في غربي إشبيلية وشماليها، وغربي باجة. وهي مدينةٌ أزلية ولها البساتين والثمار المفضلة على غيرها. قال ابن سعيد: وبينها وبين البحر المحيط ثلاثون ميلاً. وهي على جانب نهر يودانس. قال في تقويم البلدان: وبزاتها خيار البزاة. قال: وكانت في آخر وقت مضافةً إلى بطليوس وملكها ابن الأفطس، وذكر في العبر: أنها الآن قاعدة مملكةٍ من ممالك النصارى بالأندلس يقال لها مملكة البرتقال، وأنها عمالة صغيرة، وقد أضيفت الآن إلى أعمال جليقية كما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس.
ولها مضافات: منها شنترين قال في تقويم البلدان بفتح الشين المعجمة وسكون النون وكسر المثناة من فوق والراء المهملة وسكون المثناة من تحت وفي آخرها نون فيما هو مكتوب بخط ابن سعيد. وهي مدينةٌ كانت في القديم من جليقية شمالي الأندلس، ثم استقرت من أعمال أشبونة المقدم ذكرها. موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان درج وعشر دقائق، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمسٌ وثلاثون دقيقة، وهي على بحر برطانية: وهو بحر برديل الخارج من البحر المحيط المقدم ذكره في الكلام على البحور، وهي على نهر يصب في البحر وأرضها طيبة.
ومنها شنترة. وهي مدينةٌ ذكرها في تقويم البلدان مع أشبونة استطراداً ونسبها إلى عملها، ولم يتعرض لضبطها ولا لطولها وعرضها، وقال: إن بها تفاحاً مفرطاً في الكبر والنبالة.
ومنها مدينة باجة بفتح الباء الموحدة وألف ثم جيم مفتوحة وهاء في الآخر. قال في تقويم البلدان: وهي شرقي أشبونة، وهي من أقدم مدائن الأندلس، وأرضها أرض زرعٍ وضرع، وعسلها في نهاية الحسن، ولها خاصية في حسن دباغ الأدم، وكانت مملكةً مستقلةً.
القاعدة الثالثة: بطليوس:
قال في تقويم البلدان: بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وفتح المثناة التحتية وسكون الواو وسينٍ مهملة في الآخر. وهي مدينة غرب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج، والعرض ثمانٌ وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: ومملكتها في الشمال والغرب عن مملكة قرطبة. وهي في الغرب بميلة إلى الجنوب عن مملكة طليطلة. وهي مدينة عظيمةٌ في بسيط من الأرض مخضرٍ على جانب نهر. قال: وهي مدينةٌ عظيمة إسلامية كانت بيد المتوكل بن عمر بن الأفطس، وبنى بها المباني العظيمة وفيها يقول ابن الفلاس:
بطليوس لا أنساك ما اتصل البعد! ** فلله غورٌ من جنابك أو نجد

ولله دوحاتٌ تحفك بينها ** تفجر واديها كما شقق البرد

وبينها وبين قرطبة ستة أيام.
ولها مضافات من أعمالها.
منها ماردة قال في تقويم البلدان: بفتح الميم ثم ألف وراء مهملة مكسورة ودال مهملة وهاء في الآخر كما هو في خط ابن سعيد. وهي مدينةٌ على جنوبي نهر بطليوس، موقعها في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج وخمسٌ وخمسون دقيقة، والعرض تسع عشرة درجة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة أزلية، ولها ماءٌ مجلوبٌ تحير صنعته.
قال ابن سعيد: قال الرازي: وهي إحدى القواعد التي بنتها ملوك العجم للقرار. قال: وكان قد اتخذها سلاطين الأندلس قبل الإسلام سريراً لملك الأندلس، وكانت في دولة بني أمية يليها عظماء منهم ثم صار الكرسي بعد ذلك بطليوس، وقد صارت الآن للنصارى.
ويحكى أنه كان بكنيستها حجر يضيء الموضع من نوره، فأخذته العرب أول دخولها.
ومنها يابرة بياء آخر الحروف وألف وباء موحدة وراء مهملة وهاء في الآخر وهي مدينةٌ ذكرها في تقويم البلدان بعد ذكر بطليوس استطراداً.
القاعدة الرابعة: إشبيلية:
قال في تقويم البلدان: بكسر الألف وسكون الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ولام وياء ثانية تحتيه وفي آخرها هاء. قال: ومعنى اسمها المدينة المنبسطة. وهي مدينة أزلية في غرب الأندلس وجنوبيه على القرب من المحيط، موقعها من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج وعشر دقائق، والعرض سبع وثلاثون درجةً وثلاثون دقيقة. وهي على شرقي نهرها في الأعظم وجنوبيه، ولها خمسة عشر بـ أبا، ومملكتها غربي مملكة قرطبة، فطول مملكتها من الغرب من عند مصب نهرها في البحر المحيط إلى أعلى النهر من الشرق مما يلي مملكة قرطبة نحو خمس مراحل وعرضها من الجزيرة الخضراء على ساحل الأندلس الجنوبي إلى مملكة بطليوس في الشمال نحو خمسة أيام، وبينها وبين قرطبة أربعة أيام، وهي الآن بيد ملوك النصارى. ولها عدة كور في جنوبي نهرها وشماليه.
فأما كورها التي في جنوبي نهرها وهي الأكثر: فمنها كورة أركش قال في تقويم البلدان: بالراء المهملة معقلٌ في غاية المنعة.
ومنها كورة شريش قال في تقويم البلدان: بفتح الشين المعجمة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة التحتية وشين معجمة في الآخر، وإليها ينسب الشريشي شارح المقامات الحريرية.
ومنها كورة طريف بفتح الطاء وكسر الراء المهملتين وسكون المثناة التحتية وفاء في الآخر.
وأما التي شمالي النهر فكورتان: إحداهما كورة أوتنة. وهي أشهرها وأوتنة مدينة جليلة.
قال في تقويم البلدان: ومن الممالك المضافة لإشبيلية مملكة شلب. وهي كورة ومدينة في غربي إشبيلية وشماليها على ساحل البحر المحيط، بينها وبين قرطبة تسعة أيام، وبشلبٍ هذه قصر يعرف بقصر الشراخيب وهو الذي يقول فيه بعض شعرائهم: [طويل]
وسلم على قصر الشراخيب عن فتًى ** له أبداً شوقٌ إلى ذلك القصر!

القاعدة الخامسة: قرطبة:
قال في اللباب: بضم القاف وسكون الراء وضم الطاء المهملتين وباء موحدة وهاء في الآخر. قال في تقويم البلدان: هذا هو المشهور. وقال ابن سعيد: هي بلسان القوط بالظاء المعجمة ونقله عن جماعة. وهي مدينة غربي نهر إشبيلية في غرب الأندلس بجنوب، وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول عشر درج، والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: ومملكة قرطبة شرقي مملكة إشبيلية. وهي في الجنوب والشرق عن مملكة بطليوس، وفي الجنوب عن مملكة طليطلة، ودور قرطبة ثلاثون ألف ذراع، وهي أعظم مدن الأندلس، وعليها سورٌ ضخم من الحجر، ولها سبعة أبواب؛ وبلغت عدة مساجدها ألفاً وستمائة مسجد، وحماماتها تسعمائة حمام. وهي مدينةٌ حصينة. وقد استولت عليها ملوك النصرانية، وهي بأيديهم إلى الآن.
ولها مضافاتٌ: منها مدينة الزهراء. وهي مدينة بناها الناصر الأموي في غربي قرطبة، في سفح جبل.
ومنها القصير. وهو حصنٌ في شرقي قرطبة على النهر، وله كورة من أشهر كورها.
ومنها حصن المدور. وهو المعقل العظيم المشهور، وللروم به اعتناء عظيم.
ومنها حصن مرادٍ. وهو حصنٌ في غربي قرطبة.
ومنها كورة غافقٍ. وهي معاملة كبيرة.
ومنها كورة إستجة. وغير ذلك.
القاعدة السادسة: طليطلة:
قال في تقويم البلدان: بضم الطاء المهملة وفتح اللام وسكون المثناة من تحت وكسر الطاء الثانية ثم لام وهاء في الآخر. وموقعها في آخر الإقليم الخامس قال ابن سعيد: حيث الطول خمس عشرة درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثمان عشرة دقيقة. وهي مدينةٌ أزلية كانت قاعدة الأندلس في القديم، وبها كان كرسي ملك لذريق: آخر ملوك القوط الذي انتزعها المسلمون منه. وهي الآن قاعدة ملك الأدفونش أكبر ملوك النصرانية بالأندلس المعروف بالفنش. قال في تقويم البلدان: وهي من أمنع البلاد وأحصنها، مبنيةٌ على جبلٍ عال، والأشجار محدقة بها من كل جهة، ويصير بها الجلنار بقدر الرمانة من غيرها، ويكون بها شجر الرمان عدة أنواع، ولها نهر يمر بأكثرها ينحدر من جبل الشارة من عند حصنٍ هناك يقال له باجة وبه يعرف نهر طليطلة، فيقال: نهر باجة؛ ومنها إلى نهاية الأندلس الشرقية عند الحاجز الذي هو جبل البرت نحو نصف شهر، وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شلب.
ولها مضافات: منها مدينة وليد بفتح الواو وكسر اللام وسكون المثناة من تحت ودال مهملة في الآخر. وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة واثنتا عشرة دقيقة، والعرض ثمانٌ وثلاثون درجة وثلاث دقائق. قال في تقويم البلدان: وهي من أحسن المدن. وهي في الغرب من طليطلة في جنوبي جبل الشارة الذي يقسم الأندلس بنصفين. قال: ويحلها الفنش ملك الفرنج في أكثر أوقاته.
ومنها مدينة الفرج بفتح الفاء والراء المهملة ثم جيم وهي مدينة شرقي طليطلة. وشرقيها مدينة سالم. قال ابن سعيد: ويقال لنهرها وادي الحجارة.
ومنها مدينة سالم قال ابن سعيد: وهي بالجهة المشهورة بالثغر من شرقي الأندلس. قال: وهي مدينة جليلة. قال في تقويم البلدان: وبها قبر المنصور ابن أبي عامر.
القاعدة السابعة: جيان:
قال في تقويم البلدان: بفتح الجيم وتشديد المثناة من تحت وألف ونون في الآخر. وموقعها في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمانٌ وثلاثون درجة وسبعٌ وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: ومملكتها بين مملكتي غرناطة وطليطلة. وهي في نهايةٍ من المنعة والحصانة. وهي عن قرطبة في جهة الشرق وبينهما خمسة أيام، وهي من أعظم مدن الأندلس وأكثرها خصباً، وكانت بيد بني الأحمر أصحاب غرناطة فأخذتها الفرنج منهم بالسيف بعد حصارٍ طويل، وبلادها كثيرة العيون، طيبة الأرض، كثيرة الثمار، وبها الحرير الكثير.
ولها مضافات: منها مدينة قبجاطة. وهي مدينةٌ نزهة كثيرة الخصب، أخذها النصارى بالسيف أيضاً.
ومنها بياسة بفتح الباء الموحدة وتشديد المثناة التحتية وألف ثم سين مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينة على نهر إشبيلية فوق إشبيلية، طيبة الأرض، كثيرة الزرع، وبها الزعفران الكثير، ومنها يحمل إلى الأفاق.
ومنها مدينة آبدة بمد الهمزة المفتوحة وكسر الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر. وهي مدينةٌ إسلامية أحدثت في دولة بني أمية بالأندلس بجوار بياسة إلا أنها ليست على النهر، ولها عينٌ تسقي الزعفران.
ومنها جبل سمنتان- وهو جبلٌ به حصون وقرًى كثيرة.
ومنها معقل شقورة وحصن برشانة.
القاعدة الثامنة: مرسية:
قال في تقويم البلدان: بضم الميم وسكون الراء وكسر السين المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها وهاء في الآخر. وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان عشرة درجة، والعرض تسعٌ وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في تقويم البلدان: وهي مدينةٌ إسلامية محدثةٌ، بنيت في أيام الأمويين الأندلسيين، قال: وهي من قواعد شرق الأندلس. وهي تشبه إشبيلية في غرب الأندلس بكثرة المنازه والبساتين، وهي في الذراع الشرقي الخارج من عين نهر إشبيلية.
ولها عدة منتزهات.
منها الرشاقة والزتقات زجبل إيل وهو جبل تحته البساتين، وبسط تسرح فيه العيون.
ولها مضافات: منها مدينة مولة. وهي في غربي مرسية.
ومنها مدينة أريولة وغير ذلك.
القاعدة التاسعة: بلنسية:
قال في تقويم البلدان: بفتح الباء الموحدة واللام وسكون النون وكسر السين المهملة وفتح المثناة من تحت وهاء في الآخر. وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول عشرون درجة، والعرض ثمانٌ وثلاثون درجة وست دقائق. قال في تقويم البلدان: وهي من شرق الأندلس، شرقي مرسية وغربي طرطوشة. وهي في أحسن مكان، وقد حفت بالأنهار والجنان، فلا ترى إلا مياهاً تتفرع، ولا تسمع إلا أطياراً تسجع. وهي على جنب بحيرةٍ حسنةٍ على القرب من بحر الزقاق، يصب فيها نهر يجري على شمالي بللنسية.
ولها عدة منازه.
منها الرصافة ومنيه ابن عامر وحيث خرجت منها لا تلقى إلا منازه. قال ابن سعيد: ويقال أن ضوء مدينة بلنسية يزيد على ضوء بلاد الأندلس، وجوها صقيل أبداً، لا يرى فيه ما يكدره.
ولها مضافات: - وقد صارت الآن من مضافات برشلونة في جملة أعمال صاحبها من ملوك النصارى-.
منها مدينة شاطبة بفتح الشين المعجمة وألف بعدها طاء مهملة مكسورة ثم باء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينةٌ عظيمة، ولها معقل في غاية الأمتناع وعدة مستنزهات: منها البطحاء والغدير والعين الكبيرة. وإليها ينسب الشاطبي صاحب القصيدة في القراءات السبع، وقد صارت الآن مضافة إلى ملك برشلونة في يد صاحبها.
ومنها دانية بفتح الدال المهملة وألف ثم نون مكسورة ومثناة تحتية مفتوحة وهاء في الآخر. وهي من شرق الأندلس، وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول تسع عشرة درجة وعشر دقائق.
والعرض تسع وثلاثون درجة وست دقائق. وهي غربي بلنسية على البحر عظيمة القدر كثير الخيرات، ولها عدة حصون. وقد صارت الآن من مضافات برشلونة مع بلنسية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس إن شاء الله تعالى.
القاعدة العاشرة: سرقسطة:
قال في تقويم البلدان: بفتح السين والراء المهملتين وضم القاف وسكون السين الثانية وفتح الطاء المهملة وهاء في الآخر. وهي مدينة من شرق الأندلس.
موقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى وعشرون درجةً وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجةً وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي قاعدة الثغر الأعلى، وهي مدينة أزليةٌ بيضاء في أرض طيبة، قد أحدقت بها من بساتينها زمردة خضراء، والتف عليها أربعة أنهار فأضحت بها مرصعةً مجزعة.
ولها متنزهات: منها قصر السرور ومجلس الذهب. وفيهما يقول ابن هودٍ من أبيات: رمل.
قصر السرور ومجلس الذهب ** بكما بلغت نهاية الطرب!

القاعدة الحادية عشرة: طرطوشة:
قال في تقويم البلدان: بضم الطاءين المهملتين وبينهما راء ساكنة مهملة ثم واو ساكنة وشين معجمة وهاءٌ في الآخر. وهي مدينةٌ في شرق الأندلس، موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وعشرون درجةً وثلاثون دقيقة، والعرض أربعون درجة. قال: وهي من كراسي ملك شرق الأندلس. وهي شرقي بلنسية في الجهة الشرقية من النهر الكبير الذي يمر على سرقسطة ويصب في بحر الزقاق، على نحو عشرين ميلاً من طرطوشة. قال: وشرقي طرطوشة جزيرة مايرقة في بحر الزقاق، وإلى طرطوشة هذه ينسب الطرطوشي صاحب سراج الملوك.
القاعدة الثانية عشرة: برشنونة:
قال في تقويم البلدان: بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو ثم نون مفتوحة وهاء في الآخر. ويقال برشلونة بإبدال النون الأولى لاماً قال في تقويم البلدان: وهي خارجة عن الأندلس في بلاد الفرنج، وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول أربعٌ وعشرون درجةً وثلاثون دقيقةً، والعرض اثنتان وأربعون درجةً. وهي الآن قاعدة ملك النصارى بشرق الأندلس، وقد أضيف إليها أرغون، وشاطبة، وسرقسطة، وبلنسية، وجزيرة دانية، وميورقة، وغير ذلك. على ما يأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القاعدة الثالثة عشرة: ينبلونة:
قال في تقويم البلدان: بفتح الياء المثناة من تحت وسكون النون وضم الباء الموحدة واللام ثم واو ساكنة ونون مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وعشرون درجةً وخمس عشرة دقيقة، والعرض أربعٌ وأربعون درجةً. قال في تقويم البلدان: وهي مدينةٌ في غرب الأندلس خلف جبل الشارة. قال: وهي قاعدة النبري: أحد ملوك الفرنج. وتعرف هذه المملكة بمملكة نبرة- بفتح النون وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر. وهي مملكةٌ فاصلة بين مملكتي قشتالة وبرشلونة، وهي مما يلي قشتالة من جهة الشرق، وسيأتي ذكرها في الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة الثالثة في ذكر أنهاره:
اعلم أن بالأندلس أنهاراً كثيرة قد تقدم ذكر الكثير منها، وأعظمها نهران: الأول نهر إشبيلية. قال ابن سعيد: وهو في قدر دجلة، وهو أعظم نهر بالأندلس، ويسميه أهل الأندلس النهر الأعظم. قال في تقويم البلدان ومخرجه من جبال شقورة حيث الطول خمس عشرة درجة، والعرض ثمانٌ وثلاثون وثلثان، وهو يجري في لبتدائه من الشرق إلى الغرب، ثم يصب إليه عدة أنهر.
منها نهر شنيل الذي يمر على غرناطة. ونهر سوس الذي عليه مدينة إستجة، ويسير من جبال شقورة إلى جهات جيان، ويمر على مدينة بياسة، ومدينة آبدة، ثم يمر على قرطبة، ثم إذا تجاوز قرطبة وقرب من إشبيلية ينعطف ويجري من الشمال إلى الجنوب، ويمر كذلك على إشبيلية، وتكون إشبيلية على شرقيه وطريانة على غربيه مقابل إشبيلية من البر الآخر، ثم ينعطف فيجري من الشرق إلى الغرب، ثم يجاوز حتى يصب في البحر المحيط الغربي عند مكان يعرف ببر المائدة، حيث الطول ثمان درج وربعٌ، والعرض ستٌّ وثلاثون وثلثان، وتكون جزيرة قادس في البحر الرومي على يسار مصبه، ويقع في هذا النهر المد والجزر من البحر كما في دجلة عند البصرة، ويبلغ المد والجزر فيه سبعين ميلاً إلى فوق إشبيلية عند مكان يعرف بالأرحى، ولا يملح ماؤه بسبب المد عند إشبيلية بل يبقى على عذوبته، وبين إشبيلية وبين مصب النهر في البحر خمسون ميلاً، فالمد يتجاوز أشبيلية بعشرين ميلاً، والمد والجزر يتعاقبان فيه كل يوم وليلة، وكلما زاد القمر نوراً زاد المد، والمراكب لا تزال فيه منحدرة مع الجزر صاعدةً مع المد، وتدخل فيه السفن العظيمة الأفرنجية بوسقها من البحر المحيط حتى تحط عند سور إشبيلية. قال ابن سعيد: وعلى هذا النهر من الضياع والقرى ما لا يبلغه وصف.
الثاني نهر مرسية. قال في تقويم البلدان: وهو قسيم نهر إشبيلية، يخرجان من جبال شقورة فيمر نهر إشبيلية مغرّباً على ما تقدم ويصب في البحر المحيط. ويمر نهر مرسية مشرّقاً حتى يصب في بحر الروم عند مرسية.
الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس:
والظاهر أن كل ما يوجد ببلاد المغرب أو غالبه يوجد به. وقد ذكر في تقويم البلدان أنه يوجد به من الوحش: الأيّل، والغزال، وحمار الوحش. ولا يوجد به الأسد البتة. وقد تقدم ذكر ما ببلدانه من الفواكه والثمار في الكلام على بلاده فأغنى عن أعادته هنا. قال في تقويم البلدان: وبه عدة مقاطع رخام من الأبيض والأحمر والخمري والمجزع وغير ذلك.
الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس جاهليةً وإسلاماً:
وهم على طبقات:
الطبقة الأولى: ملوكها بعد الطوفان:
قال الرازي في كتاب الأستيعاب في تاريخ الأندلس: أول من ملكها بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قومٌ يعرفون بالأندلش بالشين المعجمة، وبهم سمي الأندلش، ثم عرب بالسين المهملة، وكانوا أهل تمجس فحبس الله عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها فهلك أكثرهم، وفر من قدر على الفرار منهم، فأقفرت الأندلس وبقيت خاليةً مائة عام.
وقال هروشيوش مؤرخ الروم: أول من سكنها بعد الطوفان قومٌ يقال لهم الأباريون، وهم من ولد طوبال بن يافث بن نوح عليه السلام سكنوها بعد الطوفان. قال في الروض المعطار ويقال: إن عدد ملوكهم الذين ملكوا الأندلس مائةٌ وخمسون ملكاً.
الطبقة الثانية: الأشبانية:
ملكوا بعد طائفة الأندلش المتقدم ذكرهم، قال الرازي: وأول من ملك أشبان بن طيطش، وهو الذي غزا الأفارقة وحصر ملكهم بطارقة، ونقل رخامها إلى إشبيلية واتخذها دار ملكه، وبه سميت، وكثرت جموعه فعلا في الأرض، وغزا من إشبيلية إيلياء: وهي بيت المقدس بعد سنتين من ملكه: خرج إليها في السفن فهدمها وقتل من اليهود مائة ألف. واسترق مائة ألف، وفرق في البلاد مائة ألف، ونقل رخام إيلياء والأتها وذخائرها إلى الأندلس.
ويحكى أن الخضر عليه السلام وقف على أشبان هذا وهو يحرث أرضاً له أيام حداثته، فقال له: يا أشبان، إنك لذو شان، وسوف يحظيك زمان، ويعليك سلطان، فإذا أنت تغلبت على إيلياء، فارفق بورثة الأنبياء!- فقال له أشبان: أساخرٌ بي رحمك الله؟ أنى يكون هذا وأنا ضعيفٌ مهين، فقير حقير؟- فقال: قدر ذاك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه، فنظر أشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت، فارتاع لذلك، وذهب الخضر عنه وقد وقر ذلك في نفسه، ووثق بكونه، فترك الأمتهان، وداخل الناس، وصحب أهل الباس، وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيماً، ودام ملكه عشرين سنةً، واتصلت المملكة في بنيه إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكاً.
الطبقة الثالثة: الشبونقات:
وهي طائفةٌ ثارت على الأندلس من رومة في زمن مبعث المسيح عليه السلام، وملكوا الأندلس والأفرنجة معها، وجعلوا دار مملكتهم ماردة واتصل ملكهم إلى أن ملك أربعة وعشرون ملكاً. ويقال: إن منهم كان ذو القرنين. والذي ذكره هروشيوش مؤرخ الروم أن الذي خرج عليهم من رومة ثلاث طوالع من الغريقيين. وهم: الأنبيون، والشوانيون، والقندلش، واقتسموا ملكها: فكانت جليقية لقندلش؛ ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية للشوانيين، وكانت إشبيلية وقرطبة وجيان ومالقة للأنبيين، حتى زحف عليهم القوط من رومة كما سيأتي.
الطبقة الرابعة: القوط:
خرجوا على الشبونقات فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة، وانفردوا بسلطانهم، واتخذوا مدينة طليطلة دار ملكهم دخشوش ملك القوط، وهو أول من تنصر من هؤلاء بدعاء الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية، وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرةً.
وقال هروشيوش: إنه كان قد ولي عليهم ملك يقال له اطفالش.
ثم ولي عليهم بعده ملك اسمه طشريك وقتله الرومانيون.
ثم ولي مكانه ملك اسمه تالبه ثلاث سنين، وزوج أخته من طودشيش ملك الرومانيين، وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الأندلس، ثم مات.
وولي مكانه ملكٌ اسمه لذريق ثلاث عشرة سنة فزحف على الأندلس وقتل ملوكها، وطرد الطوائف الذين كانوا بها، وبقي الحال على ذلك نحواً من ثمانين سنة، ثم هلك لذريق.
وولي مكانه ابنه وريقش سبع عشرة سنة، وانتقض عليه البشكنس إحدى طوائف القوط فقهرهم وردهم إلى طاعته، ثم هلك.
وولي بعده الريك ثلاثاً وعشرين سنة، ثم قتل في حرب الفرنج.
وولي عليهم أشتريك بن طودريك وهلك بعد خمس سنين من ملكه.
وولي عليهم بعده بشليقش أربع سنين.
ثم ملك بعده ملكٌ آخر اسمه طوذريق إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بإشبيلية.
وولي بعده ملك اسمه املريق خمس سنين.
ثم ولي بعده ملك اسمه طودش ثلاث عشرة سنة.
ثم ولي بعده طود شكل سنتين.
ثم ملك بعده ملك اسمه أيلة خمس سنين، وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وردهم إلى طاعته.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه طنجاد خمس عشرة سنةً.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه ليوبة سنة واحدة.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه لوبيلذه ثماني عشرة سنة، وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكنهم؛ ثم قتل.
وولي ابنه رذريق ست عشرة سنةً، وهو الذي بنى البلاط المنسوب إليه بقرطبة.
ولما هلك ولي بعده ملكٌ اسمه ليوبة سنتين.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه بتريق سبع سنين.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه عندمار سنتين.
ثم ملك بعده ملكٌ اسمه ششيوط ثمان سنين، وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشام، ولعهده كانت الهجرة.
ثم ملك بعده ملكٌ اسمه رذريق ثلاثة أشهر.
ثم ملك بعده ملكٌ اسمه شتنلة ثلاث سنين.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه ششنادش خمس سنين.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه خنشوند سبع سنين.
ثم ولي بعده ملكٌ اسمه جنشوند ثلاثاً وعشرين سنة.
ثم ملك بعده ملكٌ اسمه بانيه ثمان سنين.
ثم ملك بعده ملكٌ اسمه لوري ثمان سنين.
ثم ملك بعده رجلٌ اسمه أبقه ست عشرة سنة.
ثم ملك بعده رجلٌ اسمه أيقه ست عشرة سنة.
ثم ولي بعده رجلٌ اسمه غطسه أربع عشرة سنةً.
ثم ولي بعده رجل اسمه لذريق سنتين، وهو الذي غلبه المسلمون على الأندلس وفتحوها منه، وهو آخر من ملك منهم.
قال صحاب الروض المعطار: وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو لذريق ستةٌ وثلاثون ملكاً.
الطبقة الخامسة: ملوكها على أثر الفتح الإسلامي:
وكان فتحها في خلافة الوليد بن عبد الملك: أحد خلفاء بني أمية في سنة اثنتين وتسعين، وكان من أمر فتحها أن طليطلة كانت دار الملك بالأندلس يومئذ، وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح، يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به كي لا يفتح، يعهد الأول بذلك للآخر، كلما ملك منهم ملك زاد على ذلك البيت قفلاً.
فلما ولي لذريق الأخير، عزم على فتح الباب والأطلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم وتضرعوا إليه في الكف، فأبى وظن أنه بيت مال، ففض الأقفال عنه ودخله، فأصابه فارغاً لا شيء فيه إلا تأبوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول، وعليهم العمائم متقلدو السيوف متنكبو القسي، رافعو الرايات على الرماح، وفي أعلاه كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت، وفتح هذا التأبوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها، فوجم لذريق وعظم غمه وغم الأعاجم، وأمر برد الأقفال وإقرار الحرس على حالهم.
وكان من سير الأعاجم أن يبعث أكابرهم بأولادهم ذكوراً كانوا أو إناثاً إلى بلاط الملك، ليتأدبوا بأدبه، وينالوا من كرامته حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضاً استئلافاً لآبائهم، وكان للذريق عاملٌ على سبتة من بر العدوة يسمى يليان، وله ابنة فائقة الجمال، فوجه بها إلى دار لذريق على عادتهم في ذلك، فوقع نظر لذريق عليها فأعجبته، فاستكرهها على نفسها فاحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سراً، فشق ذلك عليه، وحلف ليزيلن سلطان لذريق، ثم تلطف حتى اقتلع بنته من بيت لذريق، ثم لم يلبث يليان أن كتب إلى موسى بن نصير أمير أفريقية من جهة الوليد بن عبد الملك يحرضه على غزو الأندلس، وحثه على ذلك، ووصف له من حسنها وفوائدها ما دعاه إلى ذلك وهون عليه أمر فتحها.
فتوثق منه موسى بن نصير بذلك ودعاً مولىً له كان على مقدماته، يقال له طارق بن زياد فعقد له وبعثه إليها في سبعة الأف، وهيأ له يليان المراكب، فعبر البحر وحل بجبل هناك يعرف الآن بجبل طارق فوجد عجوزاً من أهل الأندلس- فقالت له: إنه كان لي زوج عالم بالحدثان، وكان يحدث عن أمير يدخل بلدنا هذا، ويصفه بأنه ضخم الهامة وأنت كذلك، وكان يقول: إنه بكتفه الأيسر شامة عليها شعر، فكشف طارق بن زياد ثوبه فإذا بالشامة كما ذكرت العجوز، فاستبشر بذلك.
ويحكى أن رأى وهو في المركب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، فاستيقظ مستبشراً، وتيقن الفتح، وهجم البلد فملكها.
وكان عسكره قد انتهى إلى اثني عشر ألفاً إلا ستة عشر، ولذريق في ستمائة ألف، {والله يؤيد بنصره من يشاء}.
وأقام طارق بالأندلس حتى قدم إليها مولاه موسى بن نصير المتقدم ذكره في رجب من السنة المذكورة.
وأقام موسى فيها سنتين ثم انصرف إلى القيروان، واستخلف عليها ابنه عبد العزيز فنزل قرطبة واتخذها دار إمارةٍ لهم، وتوجه موسى سنة ست وتسعين بما سباه وما غنمه إلىالوليد بن عبد الملك، ثم دس سليمان بن عبد الملك على عبد العزيز المذكور من قتله بالأندلس لاتهامه بموالأة أخيه الوليد.
ثم وليها بعده عبد العزيز بن عبد الرحمن القيسي سنتين وثلاثة أشهر.
ثم وليها السمح بن مالك الخولاني سنتين وتسعة أشهر.
ثم وليها عنبسة بن سحيم الكلبي أربع سنين وخمسة أشهر.
ثم وليها يحيى بن مسلمة سنتين وستة أشهر.
ثم وليها حذيفة بن الأحوص القيسي سنةً واحدة.
ثم وليها عثمان بن أبي نسعة الخثعمي خمسة أشهر.
ثم وليها الهيثم بن عبيد خمسة أشهر.
ثم وليها عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي سنتين وثمانية أشهر.
ثم وليها عبد الملك بن قطن الفهري أربع سنين.
ثم وليها عقبة بن الحجاج خمس سنين وشهرين.
ثم وليها مفلح بن بشر القيسي أحد عشر شهراً.
ثم وليها حسام بن ضرار الكلبي سنتين.
ثم وليها ثوابة الجذامي سنة واحدة.
ثم وليها يوسف بن عبد الرحمن الفهري تسع سنين وتسعة أشهر.
ثم كانت دولة بني أمية بالأندلس، على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
الطبقة السادسة: بنو أمية:
وكانت دار ملكهم بها مدينة قرطبة، وأول من ملكها منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، بن الحكم، ويعرف بعبد الرحمن الداخل.
وذلك أن بني العباس لما تتبعوا بني أمية بالقتل، هرب عبد الرحمن المذكور، ودخل الأندلس واستولى عليها في سنة تسع وثلاثين ومائة من الهجرة، وقصده بنو أمية من المشرق والتجأوا إليه. وتوفي في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين ومائة.
وملك بعده ابنه هشام وتوفي سنة ثمانٍ وسبعين ومائة.
واستخلف بعده ابنه الحكم وفي أيامه استعاد الفرنج مدينة برشلونة في سنة خمس وثمانين ومائة، وتوفي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ست ومائتين.
وأقام في الملك بعده ابنه عبد الرحمن وتوفي في ربيع الآخر سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين.
وملك بعد ابنه محمد وتوفي في سلخ صفر سنة اثنتين وسبعين ومائتين، وعمره خمسٌ وستون سنة.
وملك بعده ابنه المنذر وتوفي لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين.
وبويع أخوه عبد الله يوم موته، وتوفي في ربيع الأول سنة ثلثمائة.
وولي بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد المقتول ابن عبد الله المتقدم ذكره، وخوطب بأمير المؤمنين، وتلقب بالناصر بعد أن مضى من ولايته تسع وعشرون سنة، عندما بلغه ضعف خلفاء العباسيين بالعراق وظهور الخلفاء العلويين بأفريقية، ومخاطبتهم بأمير المؤمنين، وتوفي في رمضان سنة خمسين وثلثمائة.
وولي الأمر بعده ابنه الحكم وتلقب بالمستنصر، وتوفي سنة ست وستين وثلثمائة.
وعهد إلى ابنه هشام ولقبه المؤيد، وبايعه الناس بعد أبيه، فأقام إلى سنة تسع وتسعين وثلثمائة.
ثم غلبه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره، وتلقب بالمهدي في جمادى الأخرة من السنة المذكورة.
ثم غلبه سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره، فهرب محمد بن هشام المذكور واستولى على الخلافة في شوال من السنة المذكورة.
ثم غلبه محمد بن هشام المهدي المذكور في منتصف شوال من السنة المذكورة.
ثم عاد هشام بن الحكم المتقدم ذكره في سابع ذي الحجة من السنة المذكورة.
ثم عاد سليمان بن الحكم المتقدم ذكره في منتصف شوال سنة ثلاثٍ وأربعمائة، ولقب بالمستعين.
ثم غلبه المهدي محمد بن هشام المتقدم ذكره في أخريات السنة المذكورة.
ثم غلبه المستعين على قرطبة، ثم قتل المهدي محمد بن هشام المذكور، وعاد هشام المؤيد إلى خلافته، هذا كله والمستعين محاصر لقرطبة، إلى أن فتحها عنوةً سنة ثلاث وأربعمائة، وقتلوا المؤيد هشاماً.
ثم جاء علي بن حمود وأخوه قاسم من الأدارسة: ملوك الغرب في عساكر من البربر فملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين وأزالوا ملك بني أمية من الندلس، واتصل ذلك في خلفهم سبع سنين.
ثم غلب علي بن حمود، المرتضي بالله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك، ابن المرتضي عبد الرحمن بن الناصر أمير المؤمنين.
ثم اجمعوا على رد الأمر لبني أمية، ثم ولي بعد ذلك المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة.
ثم غلب عليه المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله، بن عبد الرحمن، الناصر أمير المؤمنين.
ثم رجع الأمر إلى يحيى بن علي بن حمود سنة ست عشرة وأربعمائة.
ثم بويع للمعتمد بالله هشام بن محمد أخي المرتضي من بني أمية سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
وتوفي بها سنة ثمان وعشرين، وانقطعت دولة الأموية من الأندلس، والله وارث الأرض ومن عليها.
الطبقة السابعة: ملوك بني حمود من الأدارسة:
ملوك الغرب، كان في جملة جماعة المستعين: سليمان بن الحكم الأموي المتقدم ذكره القاسم وعلي ابنا حمود، بن ميمون، بن أحمد، بن علي، بن عبيد الله، بن عمر، بن إدريس بعد انقراض دولتهم بفاس وانتقالهم إلى غمارة وقيام رياستهم بها، فعقد المسعين، للقاسم على الجزيرة الخضراء من الأندلس، ولعلي على طنجة وعملها من بر العدوة، وطمعت نفس علي بن حمود صاحب طنجة في الخلافة، وعم أن المؤيد هشاماً من بني أمية عند حصارهم إياه كتب له بعهد الخلافة، فبايعوه بالخلافة وأجاز إلى مالقة فملكها، ودخل قرطبة سنة سبع وأربعمائة، وتلقب بالناصر لدين الله واتصلت دولته إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمانٍ وأربعمائة.
فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود الذي كان بطنجة وتلقب بالمأمون.
ثم غلبه على ذلك يحيى بن أخيه علي وزحف إلى قرطبة فملكها سنة ثنتي عشرة وأربعمائة وتلقب بالمعتلي، وكانت له وقائع كان آخرها أن اتفقوا على تسليم المدائن والحصون له، فعلا سلطانه، واشتد أمره، وأخذ في حصار ابن عباد بإشبيلية فكبا به فرسه وقتل، وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة.
ثم استدعى قومه أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبتة وطنجة فبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم له الأمر بمالقة وتلقب بالمتأيد بالله، وبايعه أهل المرية وأعمالها، ورندة والجزيرة، ومات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
وبايع البربر بعده حسن بن يحيى المعتلي، ولقبوه المستنصر، وبايعته غرناطة وجملةٌ من بلاد الأندلس، ومات مسموماً سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
وكان إدريس بن حييى المعتلي معتقلاً، فأخرج وبويع له سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما، ولقب العالي، ثم قتل محمداً وحسناً ابني عمه إدريس، فثار السودان بدعوة أخيهما محمدٍ بمالقة فأسلموه.
وبويع محمد بن إدريس المتأيد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب بالمهدي، وأقام بمالقة، وأطاعته غرناطة وجيان وأعمالها، ومات سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
وبويع إدريس بن يحيى بن إدريس المتأيد ولقب بالموفق ولم يخطب له، وزحف إليه إدريس المخلوع الملقب بالعالي ابن يحيى المعتلي من قمارش فبويع له بمالقة إلى أن هلك سنة سبع وأربعين.
وبويع محمد الأصغر ابن إدريس المتأيد ولقب المستعلي، وخطب له بمالقة والمرية ورندة، وهلك سنة ستين وأربعمائة.
وكان محمد بن القاسم بن حمود قد لحق بالجزيرة الخضراء سنة أربع عشرة وأربعمائة فملكها وتلقب بالمعتصم، وبقي بها إلى أن مات سنة أربعين وأربعمائة.
ثم ملكها من بعده ابنه القاسم ولقب الواثق، وهلك سنة خمسين، وصارت الجزيرة الخضراء للمعتضد بن عباد، وانقرضت دولة بني حمود بالأندلس.
الطبقة الثامنة: ملوك الطوائف بالأندلس:
لما اضمحل أمر الخلافة من بني أمية وبني حمود بعدهم بالأندلس، وثب الأمراء على الجهات، وتفرق ملك الأندلس في طوائف من الموالي، والوزراء، وكابار العرب والبربر، وقام كلٌ منهم بأمر ناحيةٍ، وتغلب بعضهم على بعض وضعف أمرهم حتى أعطوا الأتاوة لملوك الفرنجة من بني أدفونش حتى أدركهم الله بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين.
فأما إشبيلية وغرب الأندلس فاستولى عليهما بنو عباد.
كان أولهم القاضي أبو القاسم محمد بن ذي الوزارتين أبي الوليد، ابن إسماعيل، بن قريش، بن عباد، بن عمرو، بن أسلم، بن عمرو، بن عطاف، ابن نعيم اللخمي، واستبد بإشبيلية بعد فرار القاسم بن حمود عن قرطبة، انتزعها من أبي زيري وكان والياً عليها من جهة القاسم بن حمود المذكور، وبقي بها إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
ولما مات قام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد، وطالت أيامه، وتغلب على أكثر الممالك بغرب الأندلس، وبقي حتى مات سنة إحدى وستين وأربعمائة.
وولي مكانه ابنه أبو القاسم محمد الملقب المعتمد؛ فجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة بقرطبة من يد ابن جهور، وفرق أبناءه على قواعد الملك، واستفحل ملكه بغرب الأندلس، وغلب على ما كان هناك من ملوك الطوائف، وبقي حتى غلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين على الأندلس فقبض عليه، ونقله إلى أغمات: قريةٍ من قرى مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة، واعتقله بها إلى أن هلك سنة ثمانٍ وثمانون وأربعمائة.
وأما قرطبة فاستولى عليها بنو جهور. وكان رئيس الجماعة بقرطبة أيام فتنة بني أمية، أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور، بن عبد الله، بن محمد، بن الغمر، بن يحيى، بن أبي المعافر، بن أبي عبيدة الكلبي، وأبو عبيدة هذا هو الداخل إلى الأندلس، وكانت لهم وزراة بقرطبة بالدولة العامرية. ولما خلع الجند المقثتدر بالله آخر خلفاء بني أمية بالأندلس، استبد جهور بالأمر واستولى على المملكة بقرطبة سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة، وكان على سنن أهل الفضل، فأسندوا أمرهم إليه إلى أن يوجد خليفة، ثم اقتصروا عليه فدبر أمرهم إلى أن هلك في المحرم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
وولي مكانه ابنه أبو الوليد محمد بن جهور فخلعه أهل قرطبة سنة إحدى وستين وأربعمائة، وأخرجوه ثم فوض التدبير إلى ابنه عبد الملك بن أبي الوليد فأساء السيرة فأخرجوه عن قرطبة، فاعتقل بشلطيلش إلى أن مات سنة ثنتين وستين.
وولي ابن عباد على قرطبة ابنه سراج الدولة وقتله ابن عكاشة سنة سبع وستين، ودعا لابن ذي النون يحيى بن إسماعيل وقدمها ابن ذي النون من بلنسية وقتبل بها مسموماً.
وزحف المعتمد بن عباد بعد مهلكه إلى قرطبة، فملكها سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
وأما بطليوس، فكان بها عند فنتة بني أمية بالأندلس أبو محمد عبد الله بن مسلمة التجيبي المعروف بابن الأفطس، واستبد بها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، ثم هلك.
فولي من بعده ابنه المظفر أبو بكر وعظم ملكه. وكان من أعظم ملوك الطوائف، ومات سنة ستين وأربعمائة.
وولي بعده ابنه المتوكل أبو حفص بن عمر بن محمد المعروف بساجة، ولم يزل بها إلى أن قتله يوسف بن تاشفين سنة تسع وثمانين وأربعمائة بإغراء ابن عباد به.
وأما غرناطة، فملكها أيام الفتنة زاري بن زيري بن مياد، ثم ارتحل إلى القيروان واستخلف على غرناطة ابنه، فبدا لأهل غرناطة أن بعثوا إلى ابن أخيه حيوس بن ماكس بن زيري من بعض الحصون، فوصل وملك غرناطة واستبد بها، وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
وولي مكانه ابنه باديس وكانت بينه وبين بني عباد حروب، وتوفي سنة سبع وستين وأربعمائة.
وولي حافده المظفر أبو محمد عبد الله بن بلكين بن باديس وولى أخاه تميماً بمالقة بعهد جده إلى أن خلعهما يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
وأما طليطلة، فاستولى عليها بنو ذي النون، وذلك أن الظافر بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون الهواري تغلب أيام الفتنة على حصن أفلنتين سنة تسع وأربعمائة، وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش وليها في أول الفتنة، فلما مات سنة سبع وعشرين مضى إسماعيل الظافر إلى طليطلة فملكها، وامتد ملكه إلى جنجالة من عمل مرسية، ولم يزل بها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين.
فولي مكانه ابنه المأمون أبو الحسن يحيى فاستفحل ملكه، وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه، ثم غلب على بلنسية وقرطبة، ومات مسموماً سنة سبعٍ وستين وأربعمائة.
وولي بعده طليطلة حافده القادر يحيى بن إسماعيل بن المأمون بن يحيى بن ذي النون.
وكان الطاغية أدفونش ملك الفرنج بالأندلس قد استفحل أمره عند وقوع الفتنة بين ملوك الأندلس فضايق ابن النون حتى تغلب على طليطلة وخرج له عنها القادر يحيى سنة ثمان وسبعيين وأربعمائة، وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية، فقبل شرطه وتسلمها الأدفونش ملك الفرنج، وبقيت معه إلى الآن أعادها الله تعالى إلى نطاق الإسلام.
وأما شاطبة وما معها من شرق الأندلس، فاستولى عليها العامريون، بويع للمنصور عبد العزيز بن الناصر عبد الرحمن بن أبي عامر بشاطبة سنة إحدى عشرة وأربعمائة، أقامه الموالي العامريون عند الفتنة البربرية في زمن بني أمية، فاستبد بها، ثم ثار عليه أهل شاطبة فترك شاطبة ولحق ببلنسية فملكها، وفوض أمره للموالي.
وكان خيران العامري من مواليهم قد تغلب قبل ذلك على أربونة سنة أربع وأربعمائة، ثم ملك مرسية سنة سبع، ثم جيان والمرية سنة تسع، وبايعوا جميعاً للمنصور عبد العزيز. ثم انتقض خيران على المنصور وسار إلى مرسية وأقام ابن عمه أبا عامر محمد بن المظفر بن المنصور بن أبي عامر، وجمع الموالي على طاعته، وسماه المؤتمن ثم المعتصم ثم أخرج منها؛ ثم هلك خيران سنة تسع عشرة وأربعمائة.
وقام بأمره بعده الأمير عميد الدولة أبو القاسم زهير العامري وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حيوس فقتله بظاهرها سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية.
وكان قائده صمادح وابنه معن يتوليان حروبه مع مجاهد العامري صاحجب دانية، فولى على المرية معن بن صمادح سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وغزا الموالي العامريين بشاطبة فغلبهم عليها.
وولي على بلنسية ابنه عبد الملك فقام بأمره وجاهد المأمون بن ذي النون فغلبه على بلنسية وانتزعها منه سنة سبع وخمسين.
ولما مات المأمون وولي حافده القادر على ما تقدم ذكره، ولى على بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبي عامر، فحسن له ابن هود الأنتقاض على القادر، ففعل واستبد بها سنة ثمان وستين وأربعمائة حين تغلب المقتدر على دانية، ثم هلك لسنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايته.
وولي ابنه القاضي عثمان فلما سلم القادر بن ذي النون طليطلة للأدفونش وزحف إلى بلنسية، خلعوا القاضي عثمان خوفاً من استيلاء ملك الفرنج عليها.
ثم ثار على القادر سنة ثلاث وثمانين القاضي جعفر بن عبد الله بن حجاف، فقتله واستبد بها، ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وثمانين وقتلوه، ثم جاءهم يوسف بن تاشفين.
وأما معن بن صمادح قائد عبد العزيز بن أبي عامر، فإنه أقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثلاث وثلاثين، وتسمى ذا الوزارتين، ثم خلعه.
وولى ابنه المعتصم أبا يحيى محمد بن معن بن صمادح سنة أربع وأربعين، ولم يزل بها أميراً إلى أن مات سنة ثمانين وأربعمائة.
وولي ابنه أحمد وبقي حتى خلعه يوسغف بن تاشفين.
وأما سرقسطة والثغر فاستولى عليهما بقية بني هود، إذ كان منذر بن يحيى بن مطرف، بن عبد الرحمن، بن محمد، بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى بالأندلس، وكانت دار إمارته سرقسطة. ولما وقعت فتنة البربر آخر أيام بني أمية، استقل منذر هذا بسرقسطة والثغر، وتلقب بالمنصور، وما مات سنة أربع عشر وأربعمائة.
وولي مكانه ابنه يحيى وتلقب بالمظفر.
وكان أبو أيوب سليمان بن محمد بن هود بن عبد الله بن موسى، مولى أبي حذيفة الجذامي من أهل نسبهم مستقلاً بمدينة تطيلة ولاردة من أول الفتنة.
وجدهم هود هو الداخل إلى الأندلس، فتغلب سليمان المذكور على المظفر يحيى بن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وملك سرقسطة والثغر من أيديهم، وتحول إليها، وتلقب بالمستعين واستفحل ملكه، ثم ملك بلنسية ودانية. وولى على لاردة ابنه أحمد المقتدر ومات سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
فولي ابنه أحمد الملقب بالمقتدر سرقسطة وسائر لثغر الأعلى، وولى ابنه يوسف الملقب بالمظفر لاردة. ومات أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه.
فولي بعده ابنه يوسف بن المؤتمن وكان له اليد الطولى في العلوم الرياضية، وألف فيها التآليف الفائقة، مثل المناظر والأستكمال وغيرهما، ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وولي بعده ابنه أحمد الملقب بالمستعين، ولم يزل أميراً بسرقسطة إلى أن مات شهيداً سنة ثلاثٍ وخمسمائة في زحف ملك الفرنج إليها.
وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عاد الدولة، وزحف إليه الطاغية أدفونش ملك الفرنج فملك منه سرقسطة وأخرجه منها، واستولى عليها سنة ثنتي عشرة وخمسمائة، ومات سنة ثلاث عشرة.
وولي ابنه أحمد وتلقب سيف الدولة والمستنصر، وبالغ في النكاية في الطاغية ملك الفرنج، ومات سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
وكان من ممالك بني هود هؤلاء طرطوشة، وقد كان ملكها مقاتلٌ أحد الموالي العامريين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ومات سنة خمس وأربعين.
وملكها بعده يعلى العامري ولم تطل مدته.
وملكها بعده نبيل أحدهم إلى أن نزل عنها لعماد الدولة أحمد بن المستعين سنة ثنتين وخمسين وأربعمائة، فلم تزل في يده ويد بنيه بعده إلى أن غلب عليها العدو المخذول فيما غلب عليه من شرق الأندلس.
وأما دانية وميورقة، فاستولى عليهما مجاهد بن علي بن يوسف مولى المنصور بن أبي عامر، وذلك أنه بعد الفتنة كان قد ملك طرطوشة ثم تركها وسار إلى دانية واستقر بها، وملك ميورقة ومنورقة وبياسة، واستقل بملكها سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وولى عليها ابن أخيه عبد الله ثم ولى عليها بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة. وهلك مجاهدٌ سنة ست وثلاثين وأربعمائة.
وولي ابنه علي وتلقب إقبال الدولة، ودام ملكه ثلاثاً وثلاثين سنةً، ثم غلبه المقتدر بن هود على دانية سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة ونقله إلى سرقسطة، فمات قريباً من وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وبقي الأغلب مولى مجاهد على ميورقة؛ وكان كثير الغزو في البحر فاستأذن علي بن مجاهد في الغزو، واستخلف على ميورقة صهره سليمان بن مشكيان نائباً عنه فأقام سليمان خمس سنين ثم مات فولى علي بن مجاهد مكانه مبشراً، وتسمى ناصر الدولة فأقام خمس سنين، وانقرض ملك علي بن مجاهد وتغلب عليه المقتدر بن هود فاستقل مبشر بميورقة ولم يزل يردد الغزو إلى بلاد العدو حتى جمع له طاغية برشلونة وحاصره بميورقة عشرة أشهر، ثم اقتلعها منه واستباحها سنة ثمان وخمسمائة، وكان مبشر قد بعث بالصريخ إلى علي بن يوسف صاحب المغرب، فلم يواف أسطوله بالمدد إلا بعد تغلب العدو عليها وموت مبشر، فما وصل العساكر والأسطول دفعوا عنها العدو وولى علي بن يوسف عليها من قبله وانود بن أبي بكر اللمتوني ثم عسف بهم فولى عليها يحيى بن علي بن إسحاق ابن غانية صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي فأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى، وسلطانهم علي بن يوسف واستقرت ميورقة في ملك بني غانية وكانت لهم بها دولة ثم ملكها الموحدون وانقرض أمر بني غانية وبقيت في أيدي الموحدين حتى ملكها الفرنج من أيديهم آخر دولتهم.
وأما غرناطة فاستولى عليها زاري بن زيري بن مياد الصنهاجي، ثم عن له أن قدم على المعز بن باديس صاحب أفريقية وهو حفيد أخيه بلكين، فقدم عليه واستخلف مكانه بغرناطة ابناً له فأساء السيرة فيهم فأرسلوا إلى ابن عمه حيوس بن ماكس بن زيري فحضر إليهم فبايعوه، وعظم فيها سلطانه إلى أن مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
وولي من بعده ابنه باديس بن حيوس وتلقب بالمظفر، وهو الذي مصر غرناطة واختط قصبتها وشيد قصورها وحصن أسوارها، ومات سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقد ظهر أمر المرابطين بالمغرب.
وولي من بعده حافده عبد الله بن بلكين بن باديس فبقى بها إلى أن أجاز يوسف بن تاشفين إلى الأندلس، ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فقبض على عبد الله المذكور.
الطبقة التاسعة: ملوك المرابطين:
من لمتونة: ملوك الغرب المتغلبين على الأندلس لما غلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أمير المرابطين على بلاد المغرب واستولى عليها، وكان الأندلس قد تقسم بأيدي ملوك الطوائف كما تقدم، وكان الطاغية ابن الأدفونش ملك الجلالقة قد طمع في بلاد الأندلس، بعث أهل الأندلس إلى أمير المسلمين يستصرخون به فلبى دعوتهم وسار إلى الأندلس.
ونزل الجزيرة الخضراء في سنة تسع وسبعين وأربعمائة ودفع الأدفونش، وسار تارة ببلاد المغرب وتارة ببلاد الأندلس، وملك إشبيلية وبلنسية، واستقل عبد الله بن بلكين عن غرناطة وأخاه تميماً عن مالقة وغلب المعتد بن عباد على جميع عمله واستنزل ابنه المأمون عن قرطبة وابنه الراضي عن رندة وقرمونة، وانتزع بطليوس من صاحبها عمر بن الأفطس، وانتزع عامة حصون أندلس من أيدي ملوك الطوائف، ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود، وانتظمت بلاد الأندلس في ملكه وانقرض ملك الطوائف أجمع منها، واستولى على العدوتين وخاطب المستظهر الخليفة العباسي ببغداد في زمنه فعقد له على المغرب والأندلس وكتب له بذلك عهداً وأرسله إليه، ولم يزل الأمر على ذلك حتى توفي سنة خمسمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه علي بن يوسف وفي أيامه تغلب الأدفونش على سرقسطة واستولى عليها.
وعقد علي بن يوسف لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وخمسمائة وأنزله قرطبة وإشبيلية؛ وعقد لأبي بكر بن إبراهيم على شرق الأندلس وأنزله بلنسية، وعقد لابن غانية على الجزائر الشرقية: دانية وميورقة ومنورقة. وبقي الأمر على ذلك إلى أن غلب الموحدون على بلاد المغرب وانتزعوها من يد تاشفين بن علي في سنة إحدى وخمسين وملكوها.
ثم عقد عبد المؤمن أمير الموحدين لابنه أبي يعقوب على إشبيلية، ولابنه أبي سعيد على غرناطة ثم كانت أيام يوسف بن عبد المؤمن فغزا الأندلس، ثم رجع إلى إشبيلية سنة ثمانٍ وستين وولى عمه يوسف على بلنسية، وعقد لأخيه أبي سعيد على غرناطة، وعقد على قرطبة لأخيه الحسن وعلى إشبيلية لأخيه علي. ثم عقد لأبي زيد ابن أخيه أبي حفص على غرناطة ولابن أخيه أبي محمد عبد الله بن أبي حفص على مالقة. ثم عقد لابن أبي إسحاق على إشبيلية ولابنه يحيى على قرطبة، ولابنه أبي يزيد على غرناطة ولابنه أبي عبد الله على مرسية. وقتل في قتال النصارى في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وولي ابنه أبو يعقوب ورغب أدفونش في مهادنته فهادنه. وعقد على إشبيلية للسيد أبي زيد بن الخليفة، وعلى بطليوس لأبي الربيع بن أبي حفص، وعلى غرب الأندلس لأبي عبد الله بن أبي حفص. ورجع إلى مراكش سنة أربع وتسعين وخمسمائة ومات بعدها.
وولي ابنه الناصر محمد بن المنصور ونزل إشبيلية، وذلك في صفر سنة تسع وستمائة ثم رجع إلى مراكش فمات بها.
وولي بعده ابنه المستنصر يوسف وكان الوالي بمرسية أبا محمد عبد الله بن المنصور فدعا لنفسه، وتسمى بالعادل، وكان إخوته أبا العلاء صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سراً وخرج من مرسية إلى إشبيلية فدخلها وبعث إليه الموحدون بالبيعة، ودخل مراكش فكانت بالأندلس فتن آخرها أن ثار ابن هود على الأندلس واستولى عليه وأخرج منه الموحدين.
الطبقة العاشرة: بنو الأحمر:
ملوك الأندلس إلى زماننا هذا:
وقد تعرض القاضي شهاب الدين بن فضل الله إلى الذي كان في زمانه منهم وهو يوسف ولم ينسبه غير أنه قال: إنه من ولد قيس بن سعد بن عبادة. ثم ذكر أنه فاضل، له يد في الموشحات.
واعلم أن بني الأحمر هؤلاء أصلهم من أرجونة من حصون قرطبة وينتسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج، ولم أقف على نسبهم إليه، ويعرفون ببني نصر، وكان كبيرهم آخر دولة الموحدين الشيخ أبو دبوس محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر وأخوه إسماعيل، وكان لهما وجاهة ورياسة في تلك الناحية.
ولما ضعف أمر الموحدين بالأندلس واستقل بالأمر محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية وقام بدعوة العباسية بالأندلس وتغلب على جميع شرق الأندلس، ثار محمد بن يوسف بن نصر: جد بني الأحمر على محمد بن يوسف بن هود، وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة، على الدعاء للأمير أبي زكريا يحيى صاحب أفريقية من بقية الموحدين، وأطاعته جيان وشريش في السنة الثانية من مبايعته. ثم بايع لابن هودٍ سنة إحدى وثلاثين عند وصول تقليد الخليفة من بغداد لابن هود.
ثم تغلب على إشبيلية سنة اثنتين وثلاثين، واستعيدت منه بعد شهر ورجعت لابن هود ثم تغلب على غرناطة سنة خمس وثلاثين، وبايعوه وهو بجيان، فقدم إليها ونزلها وابتنى بها حصن الحمراء منزلاً له، وهو المعبر عنه بالقصبة الحمراء: وهي القلعة؛ ثم تغلب على مالقة وأخذها من يد عبد الله بن زنون الثائر بها بعد مهلك ابن هود، ثم أخذ المرية من يد محمد بن الرميمي وزير ابن هود الثائر بها سنة ثلاث وأربعين. ثم بايعه أهل لورقة سنة ثلاثٍ وستين وانتزعها ممن كانت بيده. وفي أيامه وأيام ابن هود الثائر استعاد العدو المخذول من المسلمين أكثر بلاد الأندلس وحصونه، وهي بيدهم إلى الآن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبقي حتى مات سنة إحدى وسبعين وستمائة.
وقام بأمره من بعده ابنه الفقيه محمد ابن الشيخ محمد بن يوسف، واستجاش بني مرين ملوك المغرب على أهل الكفر فلبوه بالأجابة، وكان لهم مع طاغية الكفر وقائع أبلغت فيهم التأثير، وبلغت فيهم حد النكاية، وبقي حتى هلك سنة إحدى وسبعمائة.
وولي من بعده ابنه محمد المخلوع ابن محمد الفقيه.
ثم غلب عليه أخوه أبو الجيوش نصر بن محمد الفقيه، واعتقله سنة ثمانٍ سبعمائة، واستولى على مملكته، فأساء السيرة في الرعية، والصحبة لمن عنده من غزاة بني مرينٍ.
فبايعو أبا الوليد إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر، وزحف من مالقة إلى غرناطة، فهزم عساكر أبي الجيوش، فصالحه على الخروج إلى وادياش ولحق بها، فجدد له بها ملكاً إلى أن مات سنة ثنتين وعشيرن وسبعمائة، فدخل أبو الوليد إلى غرناطة وملكها، وكان بينه وبين ملك قشتالة من ملوك النصارى واقعةٌ بظاهر غرناطة ظهرت فيها معجزةٌ من معجزات الدين لغلبة المسلمين مع قلتهم المشركين مع العدد الكثير، وغدر به بعض قرابته من بني نصر فطعنه عندما انفض مجلسه بباب داره فقتله.
وبويع لابنه محمد بن أبي الوليد إسماعيل فاستولى عليه وزيره محمد ابن المحروق، وغلب عليه حتى قتله بمجلسه غدراً في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، واستبد بأمر ملكه، واستجاش بني مرينٍ على طاغية الكفر حتى استرجع جبل الفتح من أيديهم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وغدروا به بعد رجوعه من الجبل المذكور إلى غرناطة فقتلوه بالرماح.
وقدموا مكانه أخاه أبا الحجاج يوسف بن أبي الوليد بن إسماعيل وهو الذي ذكر في التعريف أنه كان في زمانه. وفي أيامه تغلب النصارى على الجزيرة الخضراء، وأخذوها صلحاً سنة ثلاث وأربعين بعد حروبٍ عظيمةٍ، قتل ولد السلطان أبي الحسن المريني في بعضها وكان هو بنفسه في بعضها. ولم يزل حتى مات يوم الفطر سنة خمس وخمسين وسبعمائة، طعن في سجوده في صلاة العيد، وقتل للحين قاتله.
وولي مكانه ابنه محمد بن يوسف وقام بأمره مولاهم رضوان الحاجب فغلبه عليه وحجبه. وكان أخوه إسماعيل ببعض قصور الحمراء وكانت له ذمة وصهر من محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد، فسلط محمد هذا بعض الزعانفة فتسور حصن الحمراء على الحاجب فقتله، وأخرج صهره إسماعيل ونصبه للملك وخلع أخاه السلطان محمداً، وكان بروضةٍ خارج الحمراء ففر إلى السلطان أبي سالم بن أبي الحسن المريني: ملك المغرب فأحسن نزله وأكرمه.
واستقل أخوه إسماعيل بن يوسف بالملك في ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان المعظم قدره، سنة ستين وسبعمائة، وأقام السلطان إسماعيل في الملك بالأندلس إلى أن مات أول سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
وأقيم مكانه أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل وبايعه الناس ومات سنة أربع وتسعين وسبعمائة.
وبويع ابنه محمد وهو محمد بن يوسف بن محمد المخلوع بن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر، وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من جماعة أبيه، وقد شغل الله طاغية الكفر بما وقع بينه وبين أخيه من الفتن المستأصلة.
فامتنع صاحب الأندلس عما كان يؤديه من الأتاوة للنصارى في كل سنة، وامتنع ذلك من استقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى هذا الوقت.
{ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال}.
واعلم أنه لما افتتح المسلمون الأندلس أجفلت أمم النصراينة أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف، وتجاوزوا الدروب من وراء قشتالة، واجتمعوا بجليقية وملكوا عليهم بلاية بن قاقلة فأقام في الملك تسع عشرة سنة، وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة.
وولي ابنه قاقلة سنتين ثم هلك، فولوا عليهم بعده أدفونش بن بطرة من الجلالقة أو القوط، واتصل الملك في عقبه إلى الآن، فجمعهم أدفونش المذكور على حماية ما بقي من أرضهم بعد ما ملك المسلمون عامتها، وانتهوا إلى جليقية، وهلك سنة ثتين وأربعين لثمان عشرة سنةً من ملكه.
وولي بعده ابنه فرويلة إحدى عشرة سنة قوي فيها سلطانه، وقارنه اشتغال عبد الرحمن الداخل: أول خلفاء بني أمية بتمهيد أمره، فاسترجع مدينة لك، وبرتقال، وسمورة، وسلمنقة، وشقوبية، وقشتالة، بعد أن فتحها المسلمون وصارت في مملكتهم، وهلك سنة ثنتين وخمسين.
وولي ابنه أور بن فرويلة ست سنين، وهلك سنة ثمان وخمسين.
وولي ابنه شبلون عشر سنين، وهلك سنة ثمان وستين.
فولوا من بني أدفونش مكانه رجلاً اسمه أدفونش فوثب عليه مورفاط فقتله وملك مكانه سبع سنين.
ثم ولي منهم آخر اسمه أدفونش ثنتين وخمسين سنةً، وهلك سنة سبع وعشرين ومائتين.
فولي ابنه ردمير واتصل الملك في عقبه على التوالي إلى أن ولي منهم ردمير، بن أردون آخر ملوكهم المستبدين بأمرهم.
قال ابن حيان في تاريخ الأندلس: وكانت ولايته بعد ترهب أخيه أدفونش الملك قبله، وذلك سنة تسع عشرة وثلثمائة في زمن الناصر الأموي الخليفة بالأندلس، وتهيأ للناصر الظهور عليه ألى أن كانت وقعة الخندق سنة سبع وثلاثين وثلثمائة، وحصل للمسلمين فيها الأبتلاء العظيم، وهلك ردمير سنة تسع وثلاثين وثلثمائة.
وولي أخوه شانجة وكان معجباً تياهاً فوهن ملكه، وضعف سلطانه، ووثب عليه قوامس دولته- وهم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم- فلم ينتظم لبني أدفونش بعدها ملك مستقلٌ في الجلالقة إلا بعد حين، وصاروا كملوك الطوائف.
قال ابن حيان: وذلك أن فردلند قومس ألية والقلاع- وكان أعظم القوامس- انتفض على شانجة المتقدم ذكره، ونصب للملك مكانه ابن عمه أردون بن أدفونش واستبد عليه، فمالت النصراينة عن شانجة إليه، وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة، ووفد شانجة على الناصر الأموي بقرطبة صريخاً، فجهز معه عساكر واستولى على سمورة فملكها وانزل المسلمين بها، واتصلت الحرب بين شانجة وفردلند القومس.
وفي خلال ذلك ولي الحكم المستنصر الأموي، ثم هلك شانجة بن أدفونش ببطليوس.
وقام بأمرهم بعده ابنه ردمير وهلك أيضاً فردلند قومس ألية والقلاع، وقام بأمره بعده ابنه غريسة، ومات الحكم المستنصر فقوي سلطان ردمير، وعظمت نكايته في المسلمين إلى أن قيض الله لهم المنصور بن أبي عامر حاجب هشام؛ فأثخن في عمل ردمير وغزاه مراراً وحاصره، وافتتح شنت مانكس وخربها فتشاءمت الجلالقة بردمير، ورجع إلى طاعة المنصور سنة أربع وسبعين وثلثمائة، وهلك على أثرها. فأطاعت أمه.
واتفقت الجلالقة على برمند بن أردون فعقد له امنصور على سمورة وليون وما تصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر فقبل، ثم انتفض فغزاه المنصور سنة ثمان وسبعين وثلثمائة.
فافتتح ليون وسمورة، ولم يبق بعدها للجلالقة إلا حصونٌ يسيرة بالجبل الحاجز بينهم وبين البحر الأخضر، ولم يزل المنصور به حتى ضب عليه الجزية وأنزل المسلمين مدينة سمورة سنة تسع وثمانين وثلثمائة، وولي عليها أبا الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبي؛ وسار إلى غرسية بن فردلند صاحب ألية فملك عليه لشبونة قاعدة غليسية وخربها، وهلك غريسة.
فولى ابنه شانجة فضرب عليه الجزية، وصارت الجلالقة بأجمعهم في طاعة المنصور وهم كالعمال له.
ثم انتفض برمند بن أردون فغزاه المنصور حتى بلغ شنت ياقب، مكان حج النصارى ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية، فأصابها خاليةً فهدمها ونقل أبوابها إلى قرطبة، فجعلها في نصف الزيادة التي أضافها إلى المسجد الأعظم.
ثم افتتح قاعدتهم شنتمرية سنة خمس وثمانين وثلثمائة، ثم هلك برمند بن أردون بني أدفونش.
وولي ابنه أدفونش وهو سبط غرسية بن فردلند صاحب ألية، وكان صغيراً فكفله منند بن غند شلب قومس غليسية، إلى أن قتل منند غليةً سنة ثمانٍ وتسعين وثلثمائة فاستقل أدفونش بأمره، وطلب القواميس المتعذرين على أبيه وعلى من سلف من قومه مثل بني أرغومس وبني فردلند المتقدم ذكرهم بالطاعة فأطاعوا ودخلوا تحت أمره.
ثم جاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فضعف أمر المسلمين، وتغلب النصارى على ما كان المنصور تغلب عليه بقشتالة وجليقية، ولم يزل أدفونش بن برمند ملكاً على جليقية وأعمالها، ثم كان الملك من بعده في عقبه إلىأن كان ملوك الطوائف، وتغلب المرابطون ملوك الغرب من لمتونة على ملوك الطوائف بالأندلس، على ما سيأتي في الكلام على مكاتبة ابن الأحمر ملك المسلمين بالأندلس.
وفي بعض التواريخ أن ملك قشتالة الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائف في سني خمسين وأربعمائة هو البيطبين وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند، وغرسية، وردمير.
وولي أمرهم فردلند ثم هلك، وخلف شانجة وغرسية والفنش فتنازعوا، ثم خلص الملك للفنش، واستولى على طليطلة سنة ثمانٍ وسبعين وأربعائة، وعلى بلنسية سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ثم ارتجعها المرابطون من يده حتى استعادها النصارى سنة ست وثلاثين وستمائة. وهلك الفنش سنة إحدى وخمسمائة.
وقام بأمر الجلالقة بنته وتزوجت ردمير، ثم فارقته وتزوجت بعده قمطاً من أقماطها فأتت منه بولد كانوا يسمونه السليطين.
وأوقع ابن ردمير بابن هود سنة ثلاثٍ وخمسمائة الواقعة التي استشهد فيها، وملك منه سرقسطة.
وفي بعض التواريخ أن النصارى في زمن المنصور أبي يعقوب بن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائراً بين ثلاثة من ملوكهم الفنش، والبيبوح، وابن الزند، وكبيرهم الفنش.
ولما فشلت ريح بني عبد المؤمن في زمن المستنصر بن الناصر. استولى الفنشس على جميع ما فتحه المسلمون من معاقل الأندلس، ثم هلك الفنش.
وولي ابنه هراندة وكان أحول وبذلك يلقب، فارتجع قرطبة واشبيلية من أيدي المسلمين.
وزحف ملك أرغون في زمنه فاستولى على ماردة، وشاطبة، ودانية، وبلنسية، وسرقسطة، والزهراء، والزاهرة، وسائر القواعد والثغور الشرقية، وانحاز المسلمون إلى سيف البحر، وملكوا عليهم ابن الأحمر بعد ولاية ابن هود.
وكان استرجاع الطاغية ماردة سنة ست وعشرين وستمائة، وميورقة سنة سبع وعشرين، وبلنسية سنة ست وثلاثين، وسرقسطة وشاطبة قبل ذلك بزمن طويل.
ثم هلك هراندة. وولي ابنه شانجة ثم هلك سنة ثلاثٍ وتسعين.
وولي ابنه هراندة وكان بينه وبين عساكر يعقوب بن عبد الحق: سلطان الغرب الواصلة إلى الأندلس حروب متصلة، الغلب فيها لعساكر ابن عبد الحق.
ثم خرج على هراندة هذا ابنه شانجة فوفد هراندة على السلطان يعقوب بن عبد الحق فقبل يده، واستجاشه على ولده شانجة، فقبل وفادته، وأمده بالمال والعساكر، ورهن عنده على المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم، فهو عند بني عبد الحق إلى الآن.
ثم هلك هراندة سنة ثلاثٍ وثلاثين وستمائة، واستقل ابنه شانجة بالملك.
ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب ابن عبد الحق وعقد معه الهدنة.
ثم نفض واستولى على مدينة طريف سنة ثلاثٍ وتسعين وستمائة؛ ثم هلك سنة ثنتي عشرة وسبعمائة.
فولي ابنه بطرة صغيراً، وكفله عمه جوان وهلكا جميعاً على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة.
فولي ابنه الهنشة بن بطرة صغيراً وكفله زعماء دولته، ثم استقل بأمره وهلك محاصراً جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة في الطاعون الجارف.
وولي ابنه بطرة وفر ابنه القمط إلى برشلونة فاستجاش صاحبها على أخيه بطرة فأجابه، وزحف إليه بطرة فاستولى على كثيرٍ من بلاده، ثم كان الغلب للقمط سنة ثمان وستين وسبعمائة.
واستولى على بلاد قشتالة، وزحفت إليهم أمم النصرانية، ولحق بطرة بأمم الفرنج الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وبرطانية إلى ساحل البحر الأخضر وجزائره فزوج بنته من ابن ملكهم الأعظم المعروف بالبنس غالس، وأمده بأممٍ لا تحصى فملك قشتالة والقرنتيرة، واتصلت الحرب بعد ذلك بين بطرة وأخيه القمط، إلى أن غلبه القمط وقتله سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة، واستولى القمط على ملك بني أدفونش أجمعه، واستقام له أمر قشتالة، ونازعه البنس غالس ملك الأفرنجة بابنه الذي هو من بنت بطرة، وطلب له الملك على عادتهم في تمليك ابن البنت، واتصلت الحرب بينهما، وشغله ذلك عن المسلمين فامنتعوا عن أداء الأتاوة التي كانوا يؤدونها إلى من كان قبله، وهلك القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
فولي ابنه دن جوان وفر أخوه غريس ولحق بالبرتغال، واستجاش على أخيه بجموعٍ كثيرة، ثم رجع إليه واصطلح عليه، ثم هلك دن جوان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ونصب قومه في الملك ابنه بطرة صبياً صغيراً لم يباغ الحلم وقام بكفالته وتدبير دولته اليركيش خال جده القمط بن الهنشه والأمر على ذلك إلى الآن، وفتنهم مع البنس غالس ومع الفرنج متصلة، وأيديهم عن المسلمين مكفوفة.
{والله من ورائهم محيطٌ}.
ممالك النصرانية:
قلت: والممالك القائمة بجزيرة الأندلس الآن من ممالك النصرانية أربع ممالك.
المملكة الأولى: مملكة قشتالة:
التي عليها سياقة الحديث إلى أن صارت إلى بطرة بن دن جوان المتقدم ذكره.
وهي مملكة عظيمة وعمالأت متسعة تشتمل على طليطلة، واشبيلية، وقشتالة، وغليسية والقرنبيرة وهي بسط من الغرب إلى الشرق ويقال لملكها الأدفونش والعامة تسميه الفنش.
المملكة الثانية: مملكة البرتغال:
وهي في الجانب الغربي من قشتالة، وهي عمالةٌ تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس، وهي الآن من أعمال جليقية، إلا أن صاحبها متميز بسمته وملكه.
المملكة الثالثة: مملكة برشلونة:
وهي بجهة شرق الندلس، وهي مملكة كبيرة، وعمالأتٌ واسعة، تشتمل على برشلونة، وأرغون، وشاطبة، وسرقسطة، وبلنسية، وجزيرة دانية، وميورقة، وكان ملكهم بعد العشرين والسبعمائة اسمه بطرة وطال عمره، وهلك سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وانفرد بملك سرقسطة مقاسماً لأخيه ثم سار بعد ذلك في أسطول فملك جزيرة صقيلية من أيدي أهلها وصارت داخلة في أعمالهم.
المملكة الرابعة: مملكة نبرة مما يلي قشتالة من جهة الشرق:
فاصلاً بين عمالات ملك قشتالة وعمالأت ملك برشلونة وهي عمالة صغيرة، وقاعدتها مدينة ينبلونة، وملكها ملك البشكنس.
أما ما وراء الأندلس من الفرنج فأممٌ لا تحصى، وسيأتي الكلام على ذكر ملكهم الأكبر ريدفرنس فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة:
أما مملكة المسلمين فلا يخفى أنها في معنى بلاد المغرب.
وفي كثير من الأوقات يملكهم ملوك المغرب الأقصى، فبالضرورة إن ترتيبهم جار على ترتيب بلاد الغرب.
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن أهل الأندلس في الجملة لا يتعممون، بل يتعهدون شعورهم بالتنظيف والحناء ما لم يغلب الشيب، ويتطيلسون فيلقون الطليسان على الكتف أو الكتفين مطوياً طياً ظريفاً والمتعمم فيهم قليل؛ ويلبسون الثياب الرفيعة الملونة من الصوف والكتان ونحو ذلك، وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ وفي الصيف البياض.
قال: وأرزاق الجند به ذهبٌ بحسب مراتبهم، وأكثرهم من بر العدوة من بني مرين وبني عبد الواد وغيرهم.
والسلطان مسكنه القصور الرفيعة، ويقعد السلطان للناس بدار العدل في مكانٍ يعرف بالسبيكة من القصبة الحمراء التي هي القلعة يوم الأثنين ويوم الخميس صباحاً، ويحضر معه المجلس الرؤساء من أقاربه ونحوهم، ويقرأ بمجلسه عشرٌ من القرآن وشيءٌ من الحديث الننبوي، ويأخذ الوزير القصص من الناس فتقرأ عليه.
وأما الحرب فإنهم فيها سجال: تارةً لهم وتارةً عليهم، والنصر في الأغلب للمسلمين على قلتهم وكثرة عدوهم بقوة الله تعالى. وبالبلاد البحرية أسطول الحراريق المفرق في البحر الشامي، يركبها الأنجاد من الرماة والرؤساء المهرة، فيقاتلون العدو على ظهر البحر، وهم الظافرون في الغالب، ويغيرون على بلاد النصارى بالساحل وما هو بقربه فيأسرون أهلها ذكورهم وإناثهم، ويأتون بهم بلاد المسلمين، فيبرزون بهم ويحملونهم إلى غرناطة إلى السلطان فيأخذ منهم ما يشاء ويهدي ويبيع.
وقد كانت لهم وقيعة في الأفرنج سنة تسع عشرة وسبعمائة على مرج غرناطة قتل فيها من الأفرنج أكثر من ستين ألفاً وملكان: وهما بطرة وجوان عمه ففديت جيفة جوان بأموال عظيمة. وحملت جثة بطرة إلى غرناطة، فعلقت على باب قلعتها في تأبوت، واستمرت معلقةً هناك، وحاز المسلمون غنيمةً من أموالهم قلما يذكر مثلها في تاريخ، {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}.
وقد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على النوع الرابع مما يحتاج إليه الكاتب: وهو حفظ كتاب الله تعالى: أن بعض ملوك الفرنج كتب إلى ابن الأحمر: صاحب غرناطة كتاباً يهدده فيه، فكان جوابه أن قلبه وكتب على ظهره {ارجع إليهم فلنأتينهم بجنودٍ لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلةً وهم صاغرون}.
وأما ملوك الفرنج به فعلى ترتيب سائر ممالك الفرنج مما هو غير معلومٍ لنا.